سورة النبأ - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النبأ)


        


{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)}
{وجنات} جمع جنة وهي كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض من الجن وهو الستر وقال الفراء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعليه حمل قول زهير:
من النواضح تسقى جنة سحقًا ***
وهو المراد هنا وقوله تعالى: {أَلْفَافًا} أي ملتفة تداخل بعضها ببعض قيل لا واحد له كالأوزاع والأخياف للجماعات المتفرقة المختلفة واختاره الزمخشري وقال ابن قتيبة جمع لف بضم اللام جمع لفاء فهو جمع الجمع واستبعد بأنه لم يجىء في نظائره ذلك فقد جاء خضر جمع خضراء وحمر جمع حمراء ولم يجىء إخضار جمع خضر ولا أحمار جمع حمر وجمع الجمع لا ينقاس ووجود نظيره في المفردات لا يكفي كذا قيل وقال الكسائي جمع لفيف عنى ملفوف وفعيل يجمع على أفعال كشريف وأشراف وإنما اختلف النحاة في كونه جمعًا لفاعل وفي الكشاف لو قيل هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد لكان قولًا وجبها انتهى وإنما يقدر حذف الزوائد وهو الذي يسميه النحاة في مثل ذلك ترخيمًا لأن قياس جمع ملتفة ملتفات لا ألفاف واعترضه في الكشف فقال فيه أنه لا نظير له لأن تصغير الترخيم ثابت أما جمعه فلا لكن قيل أن هذا غير مسلم فإنه وقع في كلامهم ولم يتعرضوا له لقلته والحق أنه وجه متكلف وجمهور اللغويين على أنه جمع لف بالكسر وهو صفة مشبهة عنى ملفوف وفعل يجمع على أفعال باطراد كجذع وأجذاع وعن صاحب الإقليد أنه قال أنشدني الحسن بن علي الطوسي:
جنة لف وعيش مغدق *** وندامى كلهم بيض زهر
وجوز في القاموس أن يكون جمع لف بالفتح هذا وفيما ذكر من أفعاله تعالى شأنه دلالة على صحة البعث وحقيته من أوجه ثلاثة على ما قيل الأول باعتبار قدرته عز وجل فإن من قدر على إنشاء تلك الأمور البديعة من غير مثال يحتذيه ولا قانون ينتحيه كان على الإعادة أقدر وأقوى الثاني باعتبار علمه وحكمته فإن من أبدع هذه المصنوعات على نمط رائع مستتبع لغايات جليلة ومنافع جميلة عائدة إلى الخلق يستحيل حكمة أن لا يجعل لها عاقبة الثالث باعتبار نفس الفعل فإن اليقظة بعد النوم أنموذج للبعث بعد الموت يشاهده كل واحد وكذا إخراج الحب والنبات من الأرض يعاين كل حين فكأنه قيل قد فعلنا أو ألم نفعل هذه الأفعال الآفاقية الدالة بفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للإيمان به فما لكم تخوضون فيه إنكارًا وتسألون عنه استهزاء وقوله تعالى:


{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)}
{إِنَّ يَوْمَ الفصل كَانَ ميقاتا} شروع في بيان سر تأخير ما يتساءلون عنه ويستعجلون به قائلين {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [يونس: 48] ونوع تفصيل لكيفية وقوعه وما سيلقونه عند ذلك من فنون العذاب حسا جرى به الوعيد إجمالًا وقال بعض الأجلة أنه لما أثبت سبحانه صحة البعث كان مظنة السؤال عن وقته فقيل إن إلخ وأكد لأنه مما ارتابوا فيه وليس بذاك أي أن يوم فصل الله تعالى شأنه بين الخلائق كان في علمه عز وجل ميقاتًا وميعادًا لبعث الأولين والآخرين وما يترتب عليه من الجزاء ثوابًا وعقابًا لا يكاد يتخطاه بالتقدم والتأخر وقيل حدا توقت به الدنيا وتنتهي إليه أو حدًا للخلائق ينتهون إليه لتمييز أحوالهم والأول أوفق بالمقام على أن الدنيا تنتهي على ما قيل عند النفخة الأولى وأيًا ما كان فالمضي في كان باعتبار العلم وجوز أن يكون عنى يكون وعبر عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه.


{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)}
{يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصور} أي النفخة الثانية ويوم بدل من {يوم الفصل} [النبأ: 17] أو عطف بيان مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله ولا ضير في تأخر الفصل عن النفخ فإنه زمان ممتد يقع في مبدئه النفخ وفي بقيته الفصل ومباديه وآثاره وتقدم الكلام في الصور وقرأ أبو عياض في الصور بفتح الواو جمع صورة وقد مر الكلام في ذلك أيضًا والفاء في قوله تعالى: {فَتَأْتُونَ} فصيحة تفصح عن جملة قد حذفت ثقة بدلالة الحال عليها وإيذانًا بغاية سرعة الإتيان كما في قوله تعالى: {أن اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق} [الشعراء: 63] أي فتحيون فتبعثون من قبوركم فتأتون إلى الموقف عقيب ذلك من غير لبث أصلًا {أَفْوَاجًا} أي أممًا كل أمة بأمامها كما قال سبحانه: {يوم ندعو كل أناس بامامهم} [الإسراء: 71] أو زمرًا وجماعات مختلفة الأحوال متباينة الأوضاع حسب اختلاف الأعمال وتباينها واستدل لهذا بما خرج ابن مردويه عن البراء بن عازب أن معاذ بن جبل قال يا رسول الله ما قول الله تعالى يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجًا فقال يا معاذ سألت عن عظيم من الأمور ثم أرسل عينيه ثم قال عليه الصلاة والسلام عشرة أصناف قد ميزهم الله عز وجل من جماعة المسلمين فبدل صورهم فبعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازير وبعضهم منكسين أرجلهم فوق وجوههم أسفل يسحبون عليها وبعضهم عمي يترددون وبعضهم صم بكم لا يعقلون وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم لعابًا يتقذرهم أهل الجمع وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم وبعضهم مصلبون على جذوع من نار وبعضهم أشد نتنًا من الجيف وبعضهم ملبسون جبابًا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس وأما الذين على صورة الخنازير فأكلة السحت وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا وأما العمي فالذين يجورون في الحكم وأما الصم البكم فالمعجبون بأعمالهم وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف أقوالهم أعمالهم وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران وأما المصلبون على جذوع من نار فالساعون بالناس إلى السلطان وأما الذين هم أشد نتنًا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله تعالى من أموالهم وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والخيلاء والفخر وهذا كما قال ابن حجر حديث موضوع وآثار الوضع لائحة عليه وعليه قيل لابد من التغليب في قوله تعالى تأتون إذ لا يمكن الإتيان للمصلوب والمسحوب على الوجه ولا لمن قطعت يداه ورجلاه وتعقب بأنه ليس بشيء فإن أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا والقادر على البعث قادر على جعلهم ماشين بلا أيد وأرجل وأن تمشي بهم عمد النار التي صلبوا عليها مع أنه لا يلزم أن يأتوا بأنفسهم لجواز أن تأتي بهم الزبانية.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9